الصندوق المغلق

كان أعقل الناس إلا في حبها يجلس يومياً ليراقبها وهي خارجةً من منزلها لتعبر الطريق الذي يؤدي إلى المدرسة ...... كانت تمشي برشاقة كعارضة أزياء في مسرح العرض .. وتتهادى و تتمايل مثل غصن البان الذي هبت عليه ريح الشمال ... تتدفق الدماء في وجهها فتزيدها رونقاً وجمالاً برغم كره محياها لمستحضرات التجميل ...... كان كل من تقع عينيه عليها يُبدئ الإعجاب من أول وهلة وذلك من فرط جمالها الأخاذ الذي يسكن القلوب ويأسر الألباب ويسيل له اللعاب.
لم يثنيها تأخرها عن قطف زهرة كعادتها من بستان منزلها وعندما تستنشق رائحتها ترى ربيعها يزيد انطلاقا ويتهادى شعرها الحريري كأمواج البحر في تلاطمه ....... تلمح عيناه أناقتها برغم بساطة ملابسها ولكن ثقتها بنفسها كانت تعطيها هالة تجعل العيون جاحظة والأفواه فاغرة والقلوب مضطربة ........ كان وجهها مستدير كالبدر في ليلة تمامه... وإبتسامتها ساحرة كإشراق الشمس في صباحه ... وكان يتلألأ فيروزها بين أناملها…..بخطوة مترددة وعقل يتحدى باطنه قرر أن يخبرها بحبه وانبهاره بحسنها وجمالها وبساطتها ... وبدأ يفكر في وسيلة للتودد و كسب حبها ومحاولة لامتلاك قلبها وعقلها
وقبل أن يخطو خطواته الأولى استوقفه قلبه هامساً له لا تحدثها عما يبهرك فيها وانتظر لترى تأثير حبك عليها.........والتقيا صدفة في مناسبة ما ... ورب صدفة خير من ألف لقاء ـ وأهداها في نهاية اللقاء صندوقاً مغلقاً يزدان بشريطه القرمزي. ...ترددت فى قبوله وألح عليها فقبلت الهدية بعد أن رأت إصراره مصحوب بنظرات إعجاب بدأت في اختراق قلبها المرهف ...... وعادت إلى منزلها تكتنفها الحيرة بما داخل الصندوق ولم تدم حيرتها طويلاً وفتحت الصندوق فوجدت فيه خاتم ماسي له بريق ولمعان يخطف بصر أي إنسان ... و بجواره عطر شانيل الفرنسي ذو الرائحة النفاذة التي تُشتم من على البعد لمتعطريه ... وفستان مطرز من فرط أناقته تخيلته ناطقاً...وبالرغم من شدة انبهارها من الصندوق وما يحتويه إلا أنها أغلقته بمحتوياته ووسدته بين ملابسها .....داومت على مقابلة هذا الشخص الذي أحبها دون تردد وحدثها عقلها ذات يوم أن تقابله بشيء مما أهداه إليها.... وهنا كان مربط الفرس .. وبيت القصيد .... فؤجى بقلبه يدق ناقوس الإنذار ويبدأ نبضه المتتالي عند رؤيتها يقل وتبدلت نظرات الفرح فى عينيه إلى حزن مستتر يزداد كلما ازدادت هي قرباً للصندوق ولهداياه الجميلة ....... إلى إن كان اللقاء الأخير عندما جلس ينتظرها و رآها تقدم عليه و هي بذلك الفستان المعطر بذاك العطر الذي أهداه لها و في يدها خاتم فخم و كبير أزال معالم رقة يديها التي تعود أن يصافحها ليتلمس رقتها و نقاؤها و بساطتها فقفز واقفاً من جلسته و أخبرها بأنه راحل و لن يعود
و انتاب محياها تقاسيم دهشة لم تشهدها من قبل …و نادت عليه بصوت يكسوه الأسى و الحزن لماذا سترحل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فنظر إليها مطرقاً وملقياً عليها نظرته الأخيرة بصوت متحشرج وعبارات متقطعة قائلا :
لم أكن .. أتمنى .. يوما أن يكون .. الصندوق .. مثقوبا
في كل.. خطوة منه .. حبك عندي ... ينقص منه شيئا
كنت أراه .. ممتلئا .. و كان حبك .. في قلبي .. ممتلئاً
والآن أصبح .. الصندوق خاوياً .. وقلبي صار .. فارغاً
الوداع .. الوداع .. وستظل ذكراك .. مع الصندوق .. باقيا

مشكور على الطرح الجميل