جلست أتأمل ذلك الضباب الأبيض اتأمل ذلك البخار الذي يخرج من فنجان القهوة كأنه عزف لموسيقى رومانسية يذكرني بمجتمع الطبقة المرفهة أو البرجوازية كما يقال سابقا الذين يتمايلون مع أنغام الحياة وتجد أغلبيتهم أنوفهم مرفوعة أو بالأحرى متكبرين على غيرهم من بني جنسهم .
أعتقد ان فنجان القهوة فيه الكثير من السحر أقصد بالسحر هو الجمال الذي نراه في هذا الفنجان فقط تنسى كل شيء وتركز في تفاصيل دقيقة في ذلك الفنجان الذي حضن القهوة بين ذراعيه وأخذ يتغزل فيها وطفحت على وجه الفنجان انغام وتصاعدت منه أبخره كأنها بخور العيد .
أما قدور الطبخ وما يخرج منها من عواصف وأعاصير تذكرني بالناس الكادحين المتواضعين المنسحقين تحت اقدام الطبقات الأخرى كأنهم أسفلت الشوارع أو تراب الأرض أو بعض الأحجار التي يتعثر بها اصحاب الطبقات العليا فيسحقونها الى أن تصبح رمادا أو يرمون بها في وادي سحيق لا قرار له .
أولئك يتمايلون مع أنغام الحياة وهؤلاء تجتاحهم الهموم من أخمص القدم الى شعر الرأس هؤلاء المساكين يرقصون رقصة الموت لطم على الرؤوس وشق الجيوب .
سواء لطموا أم لم يلطموا واقع حالهم هذا كأنهم بكل ما تحويه حياتهم من مآسي كأنهم بالنسبة لغيرهم زوبعة في فنجان .